وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ
علم الرسول بإستعداد قبيلتى ثقيف و هوازن لمحاربة المسلمين و على رأسهم مالك بن عوف الذى حشد مالة و نساءة و أطفالة خلف الجند ليمنعهم من الفرار و نزل عند وادى حنين , فخرج الرسول على رأس أثنى عشر الفاً من المقاتلين المسلمين و ما كاد ينبعث ضوء الفجر حتى فاجأ الكفار المسلمين فاختل نظامهم و نادى عليهم الرسول بالإلتفاف حوله و خرج الكفار من مكانهم و استبسل المسلمون فى القتال و تقهقر الكفار و انتصر المسلمون أخيراً ثم ذهب الرسول إلى الطائف و دعا قبيلة ثقيف إلى الإسلام و لكنها وقفت أمامه فهددها بمواصلة الحصار ثم حل شهر ذى القعدة فرجع الرسول عنها حتى تنتهى الأشهر الحرم , و بعدها حضرت وفود قبيلتى ثقيف و هوازن مسلمين للرسول ثم أخلى الرسول لهوازن أسراها .
غزوة حنين هي غزوة وقعت فى العاشر من شوال في السّنة الثامنة للهجرة بين المسلمين و قبيلتي هوازن و ثقيف فى وادي يسمّى حنين بين مدينة مكّة والطائف. قائد المعركة و سببها كان رجل يسمّى مالك بن عوف النّصري من قبيلة هوازن و قد سيّر جيشه حتى وصل بالقرب من مكة، و عندما وصلت الأخبار للمسلمين وجّه المسلمون جيشاً كبيراً و كان يضم الكثير ممّن أسلموا بعد فتح مكّة وقد أعجبت كثرة الجيش و عدّته و عتاده المسلمين و وصلوا بثقتهم بالجيش إلى حد الغرور و قد قال بعض المسلمين لن نغلب اليوم من قلّة.
إن غزوة حنين هي من الأحداث التي تلت صلح الحديبية، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة، وفتح مكة، وقد جرت هذه الغزوة في فترة ازدهار وانتشار الإسلام في داخل الجزيرة العربية وخارجها، حيث كان صلح الحديبية هو السبب في هذا الازدهار والانتشار لهذا الدين، فقد تفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم خلال مدة هذا الصلح إلى الدعوة ومراسلة الملوك في داخل الجزيرة العربية خارجها. وقعت غزوة حنين بالتحديد في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، وقد بدأت القصة بعد فتح مكة المكرمة واستسلام العديد من القبائل في الجزيرة العربية، وتسليمها بالأمر الواقع، إلا بعض القبائل القوية مثل: هوازن وثقيف ونصر وجشم، وقبائل سعد بن بكر، فما رضيت هذه القبائل بالاستسلام والخضوع، فتحالف من تحالف معها، وقررت إعلان الحرب على المسلمين، وكان قائدهم في هذه الحرب هو مالك بن عوف النصري، وهو شاب في الثلاثين من عمره.
كانت غزوة حنين بعد فتح مكة وقد انصرف رسول الله من مكة لست خلت من شوال، وكان وصوله إلى حنين في العاشر منه دارت هذه الغزوة في موضع يقال له حنين، وهو واد إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات
قرر الخروج للقتال في مكان متوسط بين هوازن ومكة، فقد آثر ألاّ ينتظر بمكة. وفي ذلك حكمة كبيرة جدًّا؛ لأنه لو بقي في مكة وغزاها مالك بن عوف بجيشه، فقد يتعاون أهل مكة معه. وفي تلك الأثناء، كان أهل مكة حديثو عهد بشركٍ وجاهلية، وهذه كارثة؛ لأن الحرب بذلك ستصبح من الداخل والخارج، ومن ثَمَّ فضَّل الرسول أن يخرج بجيشه إلى مكان مكشوف بعيد عن مكة. كما قرر محمد أن يخرج بكامل طاقته العسكرية، ويأخذ معه العشرة آلاف مقاتل الذين فتح بهم مكة من قبل؛ لأن أعداد هوازن ضخمة وكبيرة. وقام أيضًا بأخذ معه من داخل مكة المكرمة المسلمين الطلقاء الذين أسلموا عند الفتح، وفي ذلك بُعد نظر كبير من الرسول محمد؛ فهؤلاء إن تركوا في مكة، قد ينقلبون إلى الكفر مرة ثانية، وقد ينفصلون بمكة عن الدولة الإسلامية، وخاصةً إذا تعرض المسلمون لهزيمة من هوازن. ومن ناحية أخرى، لم يكتفِ الرسول بسلاح الجيش الإسلامي الذي فتح به مكة المكرمة، مع كون هذا السلاح من الأسلحة الجيدة والقوية جدًّا، بدليل انبهار أبي سفيان به عند رؤيته للجيش الإسلامي. ومع ذلك لم يكتفِ به ، كما لم يكتفِ بسلاح المسلمين من الطلقاء، وإنما سعى إلى عقد صفقة عسكرية كبرى لتدعيم الجيش الإسلامي؛ فقد ذهب بنفسه إلى تجار السلاح في مكة المكرمة، وكان على رأس هؤلاء التجار صفوان بن أمية، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وكان هذان الاثنان لا يزالان على شركهما وقتئذ، فطلب منهما السلاح على سبيل الاستعارة بالإيجار والضمان، حتى إن صفوان بن أمية سأل الرسول وهو لم يزل على كفره: أغصبٌ يا محمد؟ فقال : "بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ" واهتم الرسول اهتمامًا كبيرًا بالحراسة الليلية للجيش الإسلامي، لئلاّ يُباغت فجأة، ووضع عليها أنس بن أبي مرثد
كان سبب هذه الغزوة أن مالكاً بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون، واجتمعت إليه مضر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي فخرج إليهم.
لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم : "الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين. وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا". وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا ( هوزان ) و( ثقيف ). فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد ( هوزان ). وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم.
تعداد الجيوش :
خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) ومعه اثنا عشر ألف مقاتل في جيش المسلمين ولكن لم يكن كل جيش المسلمين من صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) من المهاجرين والأنصار بل كان به كثيراً من الذين دخلوا في الاسلام حديثاً بعد فتح مكه . وقد كان عدد جيش هوازن ثلاثون ألف مقاتل بقيادة " عوف بن مالك "وقد أمر عوف بن مالك قومه بأن يخرجوا جميعاً لملاقاة المسلمين ويأخذوا معهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم وأغنامهم وإبلهم وأبقارهم معهم في المعركة . وذلك حتى لا يفر المقاتلون من أرض المعركة. وقد خرج في جيش هوازن أحد شيوخها وهو دريد بن الصمه وقد كان عمره مائه وستون عاماً وقد كان على درايه وخبره بفنون الحرب وأساليب القتال .ولما علم من أمر عوف بن مالك مع قومه بأن يخرج الابناء والنساء والاموال والماشية . أنكر دريد هذا الرأي وقال إن هذا لاينفعنا ولكن عوف بن مالك أصر على رأيه وخرج الجيش بما فيه فقال دريد لعوف بن مالك . إذا لقيت محمداً وجهاً لوجه فاعلم أنك مهزوم فقال له عوف وما الرأي إذاً قال دريد أكمن لهم فاذهب إلى حنين وأدخل بين الاشجار وعندما يصل المسلمون إلى وادي حنين اخرج عليهم وحاصرهم.
أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام ابن أبي حدرد وقال: اجلس بينهم وخذ أخبارهم وائتني بأعلامهم -هذا قبل المعركة- فجلس بينهم في الليل، فسمع مالك بن عوف النصري يقول: إذا أتينا غداً فصبحوهم واضربوهم ضربة رجل واحد، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك. وقد نقلت المخابرات الإسلامية بسرعة إلى الرسول أخبار هوازن، واستعدادها للحرب، وكان الرسول وقتئذٍ في مكة، فأرسل الرسول مباشرة الصحابي الجليل عبد الله بن أبي حَدْرَد الأسلميّ ؛ ليتأكد من الخبر، فجاء بتأكيد ذلك، كما ذكر أحد المسلمين لرسول أن هوازن قد جاءت على بكرة أبيهم بنسائهم ونعمهم وشائهم. وكان رد فعل الرسول جميلاً جدًّا، فقد تبسم وقال: "تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ".
فالرسول عليه الصلاة السلام لما أراد حنيناً قال لـ صفوان بن أمية وقد كان طلب مهلة أربعة أشهر حتى يفكر في دخول الإسلام- قال: « يا أبا وهب : أتعيرنا مائة درع وسلاحها؟ قال: غصباً يا محمد، قال: بل عارية مضمونة» فأخذها عارية مضمونة -أي إذا تلفت هذه الدروع والسلاح نضمنها لك. وهنا استعان الرسول بسلاح غير المسلم لقتاله
الغزوة
خرج جيش المسلمين وكان عدده اثنا عشر ألف مقاتل وقد اغتر المسلمون بكثرتهم فقال بعضهم لبعض لن نهزم اليوم من قله وأثناء سير النبي (صلى الله عليه وسلم)بجيش المسلمين على الجبل فنظر النبي (صلى الله عليه وسلم) فوجد منحدر كبير ثم وادي واسع ومساحه شاسعه من الاشجار في اليمين والشمال ووجد جيش هوازن يقف عن بعد فأيقن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن جيش هوازن يكمن في هذه الأشجار فأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أحد الصحابه اسمه أنس بن أبي مرثد .أن يأتي بحصان ويصعد به إلى رأس الجبل ويقف عليه حتى يراقب المكان وذلك من طلوع الشمس حتى الغروب وكما أوصاه النبي (صلى الله عليه وسلم) ألا يترك مكانه إلا لقضاء حاجته أو لأداء الصلاة . فأمتثل أنس لأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم عاد للنبي (صلى الله عليه وسلم) فسأله النبي (صلى الله عليه وسلم) هل رأيت شيئاً قال لا والله فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) أبشر فان لك الجنه ما ضرك ما فعلت بعد اليوم . بعد ما تأكد النبي (صلى الله عليه وسلم) بعدم وجود كمائن بين الأشجار بدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) يصف الجيش فكانت أول كتيبه بقيادة خالد بن الوليد والثانية الزبير والثالثه قيادة على بن أبي طالب .ثم بدأت أول كتيبه بقيادة خالد بن الوليد تنزل إلى هذا المنحدر وعند نزولها بدأت كمائن جيش هوازن تخرج من بين الأشجار فارتبك جيش المسلمين قال تعالى "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴿٢٥﴾ "يقول راوي القصة أن بعض من كان بجيش المسلمين من كان يجري إلى مكه لا يلتفت إلى الوراء لضراوة المعركة . ولم يبقى مع النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا قله من أصحابه وبدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) ينادي ويقول إليّ عباد الله أنا رسول الله فكان أول من أجاب النبي (صلى الله عليه وسلم) عمه العباس ففرح النبي (صلى الله عليه وسلم) لأن العباس كان صوته عالياً فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) نادي عليهم يا عباس فقال ماذا أقول قال النبي (صلى الله عليه وسلم) قل يا أصحاب بدر فبدأ المسلمون يتجمعون حول النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان عددهم 66 من الانصار و33 من المهاجرين . ثم بدأ القتال يشتد ويقول العباس من شدة القتال نزل النبي (صلى الله عليه وسلم) من على فرسه وركب بغلته وتوجه بها في اتجاه جيش هوازن وهو يقول أنا النبي لاكذب أنا ابن عبدالمطلب . ثم أخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبضه من التراب بيده وألقاها في اتجاه جيش هوازن وقال شاهت الوجوه اللهم نصرك الذي وعدت يقول العباس فمارأيت أحداً من هوازن إلا يفرك عينيه أو فمه وأشتد القتال ولجأ الصحابه إلى الله عز وجل . قال تعالى "ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا" فقد أنزل الله سيدنا جبريل ومعه كتائب من الملائكة من السماء يراهم المؤمنين على هيئة نمل أسود صغير على أجساد الكافرين ويراهم الكافرين فرسان بيض قال تعالى :- " وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿٢٦﴾ " في هذه الاثناء كان خالد بن الوليد قائد جيش المسلمين ملقى على الأرض وجسده كله طعنات فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) وتفل في يده ومسح على جسد خالد بن الوليد حتى برأ . ثم لحقت الهزيمة بهوازن وفر الجيش من ميدان المعركة تاركاً وراءه عشرات الآلاف من الابقار والاغنام والإبل. وجاء ابو سفيان للنبي (صلى الله عليه وسلم) ليأخذ نصيبه من الغنائم فأعطاه النبي مائه أوقيه من الذهب ومثلها من الفضه وطلب لأبناءه فأعطاه النبي (صلى الله عليه وسلم) وجاء صفوان بن أميه فأعطاه النبي (صلى الله عليه وسلم) مائه أوقيه من الذهب ومثلها من الفضه ومائة ناقه . يقول صفوان – وقد كان مازال كافراً – فما زال محمداً يعطيني حتى أحببته . وقد كان نصيب النبي (صلى الله عليه وسلم) من الغنائم ابل ما بين جبلين . فنظر أحد الاعراب إلى نصيب النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال له النبي أتعجبك ؟ قال نعم قال هي لك فذهب إليها وهو يلتفت ثم أخذ الابل يسوقها إلى قومه يقول يا قوم أسلموا لقد جئتكم من عند خير الناس إن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً. فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) حريص على أن يجزل العطاء من الغنائم فقال الأنصار لقد وجد محمداً أهله في مكه فبلغ هذا الكلام سعد بن عباده سيد الانصار فذهب للنبي (صلى الله عليه وسلم) وقال له ما قاله الانصار فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) وما قولك يا سعد فقال يا رسول الله إنما أنا إمروء من قومي قال إذاً اجمع الناس فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم) الانصار وقال لهم لقد بلغتني عنكم مقاله أنكم وجدتم عليّ أني قد وجدت أهلي.
بداية الغزوة
لحقت الهزيمة بالمسلمين في بداية غزوة حنين وفر معظم المسلمين في ميدان المعركة؛ لأنهم فوجئوا بما لم يتوقعوه.[14] وقعت الهزيمة في الجولة الأولى لعدة أسباب منها:
ثبات
إنّ الذين ثبتوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم حُنين بعد هزيمة الناس هم: علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والعباس بن عبد المطّلب، والفضل بن العباس بن عبد المطّلب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن بن عبيد، وهو ابن أُمّ أيمن مولاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحاضنته، وقد قُتل يوم حُنين.
يعني أيمن بن عبيد. وقال الشيخ المفيد: «لم يبق مع النبي(صلى الله عليه وآله) إلّا عشرة نفر، تسعة من بني هاشم خاصّة، والعاشر أيمن ابن أُمّ أيمن».ومن المواقف المشرفة في هذه المعركة موقف الصحابية أم سُليم رضي الله عنها، وكانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه. وقد روت كتب الحديث والسِّيَر بسند صحيح وقائع خبرها، فعن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها فرآها أبو طلحة ، فقال: يا رسول الله ! هذه أم سليم ، معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أم سليم! إن الله قد كفى وأحسن ).
هزيمة ونصر
تمكّن الرسول (صلَّى الله عليه و آله) من بثّ روح الجهاد في نفوس المسلمين من جديد، و قد كان أصابهم الخوف و الذعر و أوشكوا على الفرار الكامل و تسجيل الهزيمة النكراء، فاجتمع المسلمون ثانية و هجموا هجمة واحدة على المشركين، ومضى علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) إلى صاحب راية هوازن فقتله، و بعد مقتله كانت الهزيمة للمشركين. و هكذا كتب الله النصر لرسوله الكريم و نصرهم بجنود من الملائكة، و إلى هذا النصر يشير القرآن الكريم: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾ قال الشيخ المفيد: «وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين اكبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه، وهو يرتجز ويقول: أنا أبو جرول لا براح ** حتّى نبيح القوم أو نباح فصمد له علي(عليه السلام) فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال: قد علم القوم لدى الصباح ** إنّي في الهيجاء ذو نطاح فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول، ثمّ التأم الناس وصُفّوا للعدو، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اللّهمّ إنّك أذقت أوّل قريش نكالاً، فأذق آخرها نوالاً»، وتجالد المسلمون والمشركون، فلمّا رآهم النبي(صلى الله عليه وآله) قام في ركابي سرجه حتّى أشرف على جماعتهم، وقال: «الآن حمي الوطيس»: أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطّلب فما كان بأسرع من أن ولّى القوم أدبارهم، وجيء بالأسرى إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) مكتّفين.قال سلمة بن الأكوع: «ونزل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوههم وقال: "شاهت الوجوه"، فما خلق الله منهم إنساناً إلّا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم».ولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نَخْلَة، وطائفة إلى أوْطاس، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، فَتَنَاوَشَ الفريقان القتال قليلاً، ثم انهزم جيش المشركين، وفي هذه المناوشة قتل القائد أبو عامر الأشعري. وطاردت طائفة أخرى من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا نخلة، فأدركت دُرَيْدَ بن الصِّمَّة فقتله ربيعة بن رُفَيْع، وأما معظم فلول المشركين الذين لجؤوا إلى الطائف، فتوجه إليهم رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- بنفسه بعد أن جمع الغنائم.
خسارة بشرية
قتل من هوازن في ذلك اليوم خلق عظيم، و قتل دريد بن الصمة فأعظم الناس ذلك، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه و آله): "إلى النار و بئس المصير، إمام من أئمة الكفر، إن لم يُعِنْ بيده فإنه أعان برأيه". واستشهد في ذلك اليوم من المسلمين أربعة نفر هم : أيمن بن عبيد، من بني هاشم؛ يزيد بن زمعة بن الأسود، من بني أسد؛ سراقة بن الحارث بن عدي، من الأنصار؛ أبو عامر الأشعري، من الأشعريين.
غنائم
رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الجعرانة بمن معه من الناس، وقسّم بها ما أصاب من الغنائم يوم حُنين، وهي: ستّة آلاف من الذراري والنساء، ومن البهائم ما لا يُحصى ولا يُدرى.
سبايا
سبى المسلمون من المشركين في ذلك اليوم سبايا كثيرة، بلغت عدّتهم ألف فارس، و بلغت الغنائم أثنى عشر ألف ناقة سوى الأسلاب. ثم جمعت إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله) سبايا حنين و أموالها، و كان على المغانم مسعود بن عمرو القاري، فأمر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بالسبايا و الأموال إلى الجعرانة فحُبست بها. وقد كان فيما سُبي أُخته بنت حليمة السعدية، فلمّا قامت على رأسه قالت: يا محمّد أُختك شيماء بنت حليمة، فنزع رسول الله(صلى الله عليه وآله) برده فبسطه لها فأجلسها عليه، ثمّ أكبّ عليها يسألها، وهي التي كانت تحضنه إذ كانت أُمّها ترضعه.
دروس مستفادة
قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) إن غزوة حنين سُجلت في القرآن الكريم لكي تبقى درسا للأمة في كل زمان ومكان، ولقد عرضت في القرآن الكريم على منهجية ربانية كان من أهم معالمها الآتي:
بين القرآن الكريم أن المسلمين أصابهم الإعجاب بكثرة عددهم، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) ثم بين القرآن أن هذه الكثرة لا تفيد ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا).بين القرآن الكريم أن المسلمين انهزموا وهربوا ما عدا النبي ونفر يسير من أصحابه، قال تعالى: ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ).بين القرآن الكريم أن الله نصر رسوله في هذه المعركة وأكرمه بإنزال السكينة عليه وعلى المؤمنين فقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).بين القرآن الكريم أن الله أمد رسوله محمدًا بالملائكة في حنين قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ).وأكد –سبحانه- على أنه يقبل التوبة من عباده ويوفق من شاء إليها، قال تعالى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
الكثرة
الإعجاب بالكثرة حجب عن المسلمين النصر في بداية المعركة, وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ). وقد نبه إلى هذا رسول الله حينما أوضح أنه لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول: «اللهم بك أحول وبك أصول، وبك أقاتل». وهكذا أخذ الرسول يراقب المسلمين ويقوِّم ما يظهر من انحرافات في التصور والسلوك، حتى في أخطر ظروف المواجهة مع خصومه العتاة.
مواقف الطلقاء يوم حنين
في هذا الموقف الصعب تباينت مواقف الطلقاء، فمنهم من صرّح بكفره بعد أن كان متظاهرًا بالإسلام، مثل كَلَدَة بن الحنبل، ولكنه أسلم بعد ذلك وله صحبة، فهذا الرجل قال في ذلك الوقت: ألا بطل السِّحْر اليوم. فهو يتهم الرسول بالسحر، مع أنه خارج مع المسلمين على أنه مسلم. ومنهم من لم يكتفِ بالكفر، بل حاول قتل الرسول مثل شيبة بن عثمان، وبفضل الله أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. ومنهم من أظهر الشماتة دون أن يظهر الكفر كأبي سفيان زعيم مكة الذي قال: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر.
ترك حب الدنيا نصرة للإسلام
رأى محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يتألف الطلقاء والأعراب بالغنائم تأليفًا لقلوبهم لحداثة عهدهم بالإسلام، فأعطى لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاء عظيمًا، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل، ومن هؤلاء: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان، وقيس ابن عدي.وكان الهدف من هذا العطاء المجزي هو تحويل قلوبهم من حب الدنيا إلى حب الإسلام، أو كما قال أنس بن مالك: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.وعبر عن هذا صفوان بن أمية بقوله: "لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ".وقد تأثر حدثاء الأنصار من هذا العطاء بحكم طبيعتهم البشرية, وترددت بينهم مقالة, فراعى هذا الاعتراض وعمل على إزالة التوتر, وبين لهم الحكمة في تقسيم الغنائم, وخاطب الأنصار خطابًا إيمانيًّا عقليًّا عاطفيًّا وجدانيًّا، ما يملك القارئ المسلم على مر الدهور وكر العصور وتوالي الزمان إلا البكاء عندما يمر بهذا الحدث العظيم, فعندما دخل سعد على رسول الله فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: «فأين أنت من ذلك يا سعد؟» قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة؟» قال: "فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردَّهم، فلما اجتمعوا أتى سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «يا معشر الأنصار, ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضُلاَّلا فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟» قالوا: الله ورسوله أمنُّ وأفضل، ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله، لله ولرسوله المن والفضل. قال: «أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقْتم ولصُدِّقتُم: أتيتنا مكذَّبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فآسيناك. أوجدتم عليَّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفتُ بها قومًا ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ولولا الهجرة، لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وواديًا، وسلكتْ الأنصار شعبًا وواديًا لسلكتُ شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار», قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا, ثم انصرف رسول الله وتفرقوا، وفي رواية: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».
الصبر على جفاء الأعراب
لقد ظهر من رسول الله الكثير من الصبر على جفاء الأعراب, وطمعهم في الأموال, وحرصهم على المكاسب, فكان مثالا للمربي الذي يدرك أحوالهم, وما جبلتهم عليه بيئتهم وطبيعة حياتهم من القساوة والفظاظة والروح الفردية، فكان يبين لهم ويطمئنهم على مصالحهم ويعاملهم على قدر عقولهم، فكان بهم رحيمًا ولهم مربيًا ومصلحًا، فلم يسلك معهم مسلك ملوك عصره مع رعاياهم الذين كانوا ينحنون أمامهم أو يسجدون، وكانوا دونهم محجوبين, وإذا خاطبوهم التزموا بعبارات التعظيم والإجلال, كما يفعل العبد مع ربه، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فكان كأحدهم؛ يخاطبونه ويعاتبونه، ولا يحتجب عنهم قط، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يراعون التأدب بحضرته ويخاطبونه بصوت خفيض، ويكنون له في أنفسهم المحبة العظيمة، وأما جفاة الأعراب فقد عنفهم القرآن على سوء أدبهم وجفائهم, وارتفاع أصواتهم وجرأتهم في طبيعة مخاطبتهم للرسول.
قال أبو موسى الأشعري: كنت عند النبي وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: «رد البشرى، فاقبلا أنتما» قالا: قبلنا. ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: «اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا» فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة.
قال عبد الله بن مسعود:... فلما كان يوم حنين آثر رسول الله ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك, وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال: فقلت: والله لأخبرن رسول الله, قال: فأتيته فأخبرته بما قال, قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف, ثم قال: «فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!» قال: ثم قال: «يرحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» قال: قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا.
غزوة حنين هي غزوة وقعت فى العاشر من شوال في السّنة الثامنة للهجرة بين المسلمين و قبيلتي هوازن و ثقيف فى وادي يسمّى حنين بين مدينة مكّة والطائف. قائد المعركة و سببها كان رجل يسمّى مالك بن عوف النّصري من قبيلة هوازن و قد سيّر جيشه حتى وصل بالقرب من مكة، و عندما وصلت الأخبار للمسلمين وجّه المسلمون جيشاً كبيراً و كان يضم الكثير ممّن أسلموا بعد فتح مكّة وقد أعجبت كثرة الجيش و عدّته و عتاده المسلمين و وصلوا بثقتهم بالجيش إلى حد الغرور و قد قال بعض المسلمين لن نغلب اليوم من قلّة.
إن غزوة حنين هي من الأحداث التي تلت صلح الحديبية، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة، وفتح مكة، وقد جرت هذه الغزوة في فترة ازدهار وانتشار الإسلام في داخل الجزيرة العربية وخارجها، حيث كان صلح الحديبية هو السبب في هذا الازدهار والانتشار لهذا الدين، فقد تفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم خلال مدة هذا الصلح إلى الدعوة ومراسلة الملوك في داخل الجزيرة العربية خارجها. وقعت غزوة حنين بالتحديد في شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة، وقد بدأت القصة بعد فتح مكة المكرمة واستسلام العديد من القبائل في الجزيرة العربية، وتسليمها بالأمر الواقع، إلا بعض القبائل القوية مثل: هوازن وثقيف ونصر وجشم، وقبائل سعد بن بكر، فما رضيت هذه القبائل بالاستسلام والخضوع، فتحالف من تحالف معها، وقررت إعلان الحرب على المسلمين، وكان قائدهم في هذه الحرب هو مالك بن عوف النصري، وهو شاب في الثلاثين من عمره.
كانت غزوة حنين بعد فتح مكة وقد انصرف رسول الله من مكة لست خلت من شوال، وكان وصوله إلى حنين في العاشر منه دارت هذه الغزوة في موضع يقال له حنين، وهو واد إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات
قرر الخروج للقتال في مكان متوسط بين هوازن ومكة، فقد آثر ألاّ ينتظر بمكة. وفي ذلك حكمة كبيرة جدًّا؛ لأنه لو بقي في مكة وغزاها مالك بن عوف بجيشه، فقد يتعاون أهل مكة معه. وفي تلك الأثناء، كان أهل مكة حديثو عهد بشركٍ وجاهلية، وهذه كارثة؛ لأن الحرب بذلك ستصبح من الداخل والخارج، ومن ثَمَّ فضَّل الرسول أن يخرج بجيشه إلى مكان مكشوف بعيد عن مكة. كما قرر محمد أن يخرج بكامل طاقته العسكرية، ويأخذ معه العشرة آلاف مقاتل الذين فتح بهم مكة من قبل؛ لأن أعداد هوازن ضخمة وكبيرة. وقام أيضًا بأخذ معه من داخل مكة المكرمة المسلمين الطلقاء الذين أسلموا عند الفتح، وفي ذلك بُعد نظر كبير من الرسول محمد؛ فهؤلاء إن تركوا في مكة، قد ينقلبون إلى الكفر مرة ثانية، وقد ينفصلون بمكة عن الدولة الإسلامية، وخاصةً إذا تعرض المسلمون لهزيمة من هوازن. ومن ناحية أخرى، لم يكتفِ الرسول بسلاح الجيش الإسلامي الذي فتح به مكة المكرمة، مع كون هذا السلاح من الأسلحة الجيدة والقوية جدًّا، بدليل انبهار أبي سفيان به عند رؤيته للجيش الإسلامي. ومع ذلك لم يكتفِ به ، كما لم يكتفِ بسلاح المسلمين من الطلقاء، وإنما سعى إلى عقد صفقة عسكرية كبرى لتدعيم الجيش الإسلامي؛ فقد ذهب بنفسه إلى تجار السلاح في مكة المكرمة، وكان على رأس هؤلاء التجار صفوان بن أمية، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وكان هذان الاثنان لا يزالان على شركهما وقتئذ، فطلب منهما السلاح على سبيل الاستعارة بالإيجار والضمان، حتى إن صفوان بن أمية سأل الرسول وهو لم يزل على كفره: أغصبٌ يا محمد؟ فقال : "بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ" واهتم الرسول اهتمامًا كبيرًا بالحراسة الليلية للجيش الإسلامي، لئلاّ يُباغت فجأة، ووضع عليها أنس بن أبي مرثد
كان سبب هذه الغزوة أن مالكاً بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون، واجتمعت إليه مضر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي فخرج إليهم.
لقد كان فتح مكة كما قال ابن القيم : "الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمـين، واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدي للعالمين، من أيدي الكفار والمشركين. وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء...ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا". وكان لهذا الفتح الأعظم رد فعل معاكس لدى القبائل العربية الكبيرة القريبة من مكة، وفي مقدمتها قبيلتا ( هوزان ) و( ثقيف ). فقد اجتمع رؤساء هذه القبائل، وسلموا قياد أمرهم، إلى مالك بن عوف سيد ( هوزان ). وأجمعوا أمرهم على المسير لقتال المسلمين، قبل أن تتوطد دعائم نصرهم، وتنتشر طلائع فتحهم.
تعداد الجيوش :
خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) ومعه اثنا عشر ألف مقاتل في جيش المسلمين ولكن لم يكن كل جيش المسلمين من صحابة النبي (صلى الله عليه وسلم) من المهاجرين والأنصار بل كان به كثيراً من الذين دخلوا في الاسلام حديثاً بعد فتح مكه . وقد كان عدد جيش هوازن ثلاثون ألف مقاتل بقيادة " عوف بن مالك "وقد أمر عوف بن مالك قومه بأن يخرجوا جميعاً لملاقاة المسلمين ويأخذوا معهم نساءهم وأبناءهم وأموالهم وأغنامهم وإبلهم وأبقارهم معهم في المعركة . وذلك حتى لا يفر المقاتلون من أرض المعركة. وقد خرج في جيش هوازن أحد شيوخها وهو دريد بن الصمه وقد كان عمره مائه وستون عاماً وقد كان على درايه وخبره بفنون الحرب وأساليب القتال .ولما علم من أمر عوف بن مالك مع قومه بأن يخرج الابناء والنساء والاموال والماشية . أنكر دريد هذا الرأي وقال إن هذا لاينفعنا ولكن عوف بن مالك أصر على رأيه وخرج الجيش بما فيه فقال دريد لعوف بن مالك . إذا لقيت محمداً وجهاً لوجه فاعلم أنك مهزوم فقال له عوف وما الرأي إذاً قال دريد أكمن لهم فاذهب إلى حنين وأدخل بين الاشجار وعندما يصل المسلمون إلى وادي حنين اخرج عليهم وحاصرهم.
أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام ابن أبي حدرد وقال: اجلس بينهم وخذ أخبارهم وائتني بأعلامهم -هذا قبل المعركة- فجلس بينهم في الليل، فسمع مالك بن عوف النصري يقول: إذا أتينا غداً فصبحوهم واضربوهم ضربة رجل واحد، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك. وقد نقلت المخابرات الإسلامية بسرعة إلى الرسول أخبار هوازن، واستعدادها للحرب، وكان الرسول وقتئذٍ في مكة، فأرسل الرسول مباشرة الصحابي الجليل عبد الله بن أبي حَدْرَد الأسلميّ ؛ ليتأكد من الخبر، فجاء بتأكيد ذلك، كما ذكر أحد المسلمين لرسول أن هوازن قد جاءت على بكرة أبيهم بنسائهم ونعمهم وشائهم. وكان رد فعل الرسول جميلاً جدًّا، فقد تبسم وقال: "تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ".
فالرسول عليه الصلاة السلام لما أراد حنيناً قال لـ صفوان بن أمية وقد كان طلب مهلة أربعة أشهر حتى يفكر في دخول الإسلام- قال: « يا أبا وهب : أتعيرنا مائة درع وسلاحها؟ قال: غصباً يا محمد، قال: بل عارية مضمونة» فأخذها عارية مضمونة -أي إذا تلفت هذه الدروع والسلاح نضمنها لك. وهنا استعان الرسول بسلاح غير المسلم لقتاله
الغزوة
خرج جيش المسلمين وكان عدده اثنا عشر ألف مقاتل وقد اغتر المسلمون بكثرتهم فقال بعضهم لبعض لن نهزم اليوم من قله وأثناء سير النبي (صلى الله عليه وسلم)بجيش المسلمين على الجبل فنظر النبي (صلى الله عليه وسلم) فوجد منحدر كبير ثم وادي واسع ومساحه شاسعه من الاشجار في اليمين والشمال ووجد جيش هوازن يقف عن بعد فأيقن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن جيش هوازن يكمن في هذه الأشجار فأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أحد الصحابه اسمه أنس بن أبي مرثد .أن يأتي بحصان ويصعد به إلى رأس الجبل ويقف عليه حتى يراقب المكان وذلك من طلوع الشمس حتى الغروب وكما أوصاه النبي (صلى الله عليه وسلم) ألا يترك مكانه إلا لقضاء حاجته أو لأداء الصلاة . فأمتثل أنس لأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم عاد للنبي (صلى الله عليه وسلم) فسأله النبي (صلى الله عليه وسلم) هل رأيت شيئاً قال لا والله فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) أبشر فان لك الجنه ما ضرك ما فعلت بعد اليوم . بعد ما تأكد النبي (صلى الله عليه وسلم) بعدم وجود كمائن بين الأشجار بدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) يصف الجيش فكانت أول كتيبه بقيادة خالد بن الوليد والثانية الزبير والثالثه قيادة على بن أبي طالب .ثم بدأت أول كتيبه بقيادة خالد بن الوليد تنزل إلى هذا المنحدر وعند نزولها بدأت كمائن جيش هوازن تخرج من بين الأشجار فارتبك جيش المسلمين قال تعالى "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴿٢٥﴾ "يقول راوي القصة أن بعض من كان بجيش المسلمين من كان يجري إلى مكه لا يلتفت إلى الوراء لضراوة المعركة . ولم يبقى مع النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا قله من أصحابه وبدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) ينادي ويقول إليّ عباد الله أنا رسول الله فكان أول من أجاب النبي (صلى الله عليه وسلم) عمه العباس ففرح النبي (صلى الله عليه وسلم) لأن العباس كان صوته عالياً فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) نادي عليهم يا عباس فقال ماذا أقول قال النبي (صلى الله عليه وسلم) قل يا أصحاب بدر فبدأ المسلمون يتجمعون حول النبي (صلى الله عليه وسلم) وكان عددهم 66 من الانصار و33 من المهاجرين . ثم بدأ القتال يشتد ويقول العباس من شدة القتال نزل النبي (صلى الله عليه وسلم) من على فرسه وركب بغلته وتوجه بها في اتجاه جيش هوازن وهو يقول أنا النبي لاكذب أنا ابن عبدالمطلب . ثم أخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبضه من التراب بيده وألقاها في اتجاه جيش هوازن وقال شاهت الوجوه اللهم نصرك الذي وعدت يقول العباس فمارأيت أحداً من هوازن إلا يفرك عينيه أو فمه وأشتد القتال ولجأ الصحابه إلى الله عز وجل . قال تعالى "ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا" فقد أنزل الله سيدنا جبريل ومعه كتائب من الملائكة من السماء يراهم المؤمنين على هيئة نمل أسود صغير على أجساد الكافرين ويراهم الكافرين فرسان بيض قال تعالى :- " وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿٢٦﴾ " في هذه الاثناء كان خالد بن الوليد قائد جيش المسلمين ملقى على الأرض وجسده كله طعنات فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) وتفل في يده ومسح على جسد خالد بن الوليد حتى برأ . ثم لحقت الهزيمة بهوازن وفر الجيش من ميدان المعركة تاركاً وراءه عشرات الآلاف من الابقار والاغنام والإبل. وجاء ابو سفيان للنبي (صلى الله عليه وسلم) ليأخذ نصيبه من الغنائم فأعطاه النبي مائه أوقيه من الذهب ومثلها من الفضه وطلب لأبناءه فأعطاه النبي (صلى الله عليه وسلم) وجاء صفوان بن أميه فأعطاه النبي (صلى الله عليه وسلم) مائه أوقيه من الذهب ومثلها من الفضه ومائة ناقه . يقول صفوان – وقد كان مازال كافراً – فما زال محمداً يعطيني حتى أحببته . وقد كان نصيب النبي (صلى الله عليه وسلم) من الغنائم ابل ما بين جبلين . فنظر أحد الاعراب إلى نصيب النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال له النبي أتعجبك ؟ قال نعم قال هي لك فذهب إليها وهو يلتفت ثم أخذ الابل يسوقها إلى قومه يقول يا قوم أسلموا لقد جئتكم من عند خير الناس إن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبداً. فكان النبي (صلى الله عليه وسلم) حريص على أن يجزل العطاء من الغنائم فقال الأنصار لقد وجد محمداً أهله في مكه فبلغ هذا الكلام سعد بن عباده سيد الانصار فذهب للنبي (صلى الله عليه وسلم) وقال له ما قاله الانصار فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) وما قولك يا سعد فقال يا رسول الله إنما أنا إمروء من قومي قال إذاً اجمع الناس فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم) الانصار وقال لهم لقد بلغتني عنكم مقاله أنكم وجدتم عليّ أني قد وجدت أهلي.
بداية الغزوة
لحقت الهزيمة بالمسلمين في بداية غزوة حنين وفر معظم المسلمين في ميدان المعركة؛ لأنهم فوجئوا بما لم يتوقعوه.[14] وقعت الهزيمة في الجولة الأولى لعدة أسباب منها:
- أن شيئًا من العجب تسرب إلى قلوب المسلمين، لما رأوا عددهم، فقد قال رجل منهم: لن نغلب اليوم من قلة، فشق ذلك على النبي فكانت الهزيمة
- خروج شبان ليس لديهم سلاح أو سلاح كافٍ، وإنما عندهم حماس وتسرع.
- أن عدد المشركين كان كثيرًا بلغ أكثر من ضعفي عدد المسلمين.
- أن مالك بن عوف سبق بجيشه إلى حنين فتهيأ هنالك ووضع الكمائن والرماة في مضايق الوادي وعلى جوانبه، وفاجأوا المسلمين، برميهم بالنبال وبالهجوم المباغت.
- كان العدو مهيأ ومنظما ومستعدا للقتال حال مواجهته لجيش المسلمين، فقد جاء المشركون بأحسن صفوف رُئيت: صف الخيل ثم المقاتلة ثم النساء من وراء ذلك ثم الغنم ثم النعم.
- وجود ضعاف الإيمان الذين أسلموا حديثًا في مكة، ففروا فانقلبت أولاهم على أخراهم، فكان ذلك سببا لوقوع الخلل وهزيمة غيرهم.لمّا وصل رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى وادي حُنين، وإذا بالعدو قد سبقهم إليه، فأحاطوا برسول الله(صلى الله عليه وآله) وجيشه وحملوا عليهم حملة رجل واحد، فانهزم الناس خوفاً منهم، أخذ ينادي(صلى الله عليه وآله): «أيّها الناس هلمّوا إليّ، أنا رسول الله محمّد بن عبد الله»، فلا يأتيه أحد! ولمّا رأى(صلى الله عليه وآله) هزيمة القوم عنه قال للعباس ـ وكان صيّتاً جهوري الصوت: «ناد القوم وذكّرهم العهد»، فنادى بأعلى صوته: يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة! إلى أين تفرّون؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ثبات
إنّ الذين ثبتوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوم حُنين بعد هزيمة الناس هم: علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والعباس بن عبد المطّلب، والفضل بن العباس بن عبد المطّلب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وأيمن بن عبيد، وهو ابن أُمّ أيمن مولاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وحاضنته، وقد قُتل يوم حُنين.
يعني أيمن بن عبيد. وقال الشيخ المفيد: «لم يبق مع النبي(صلى الله عليه وآله) إلّا عشرة نفر، تسعة من بني هاشم خاصّة، والعاشر أيمن ابن أُمّ أيمن».ومن المواقف المشرفة في هذه المعركة موقف الصحابية أم سُليم رضي الله عنها، وكانت مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه. وقد روت كتب الحديث والسِّيَر بسند صحيح وقائع خبرها، فعن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها فرآها أبو طلحة ، فقال: يا رسول الله ! هذه أم سليم ، معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الخنجر ؟ قالت: اتخذته، إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله اقتل من بعدنا من الطلقاء، انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا أم سليم! إن الله قد كفى وأحسن ).
هزيمة ونصر
تمكّن الرسول (صلَّى الله عليه و آله) من بثّ روح الجهاد في نفوس المسلمين من جديد، و قد كان أصابهم الخوف و الذعر و أوشكوا على الفرار الكامل و تسجيل الهزيمة النكراء، فاجتمع المسلمون ثانية و هجموا هجمة واحدة على المشركين، ومضى علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) إلى صاحب راية هوازن فقتله، و بعد مقتله كانت الهزيمة للمشركين. و هكذا كتب الله النصر لرسوله الكريم و نصرهم بجنود من الملائكة، و إلى هذا النصر يشير القرآن الكريم: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾ قال الشيخ المفيد: «وأقبل رجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم، إذا أدرك ظفراً من المسلمين اكبّ عليهم، وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه، وهو يرتجز ويقول: أنا أبو جرول لا براح ** حتّى نبيح القوم أو نباح فصمد له علي(عليه السلام) فضرب عجز بعيره فصرعه، ثمّ ضربه فقطره، ثمّ قال: قد علم القوم لدى الصباح ** إنّي في الهيجاء ذو نطاح فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول، ثمّ التأم الناس وصُفّوا للعدو، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اللّهمّ إنّك أذقت أوّل قريش نكالاً، فأذق آخرها نوالاً»، وتجالد المسلمون والمشركون، فلمّا رآهم النبي(صلى الله عليه وآله) قام في ركابي سرجه حتّى أشرف على جماعتهم، وقال: «الآن حمي الوطيس»: أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطّلب فما كان بأسرع من أن ولّى القوم أدبارهم، وجيء بالأسرى إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) مكتّفين.قال سلمة بن الأكوع: «ونزل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن البغلة، ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوههم وقال: "شاهت الوجوه"، فما خلق الله منهم إنساناً إلّا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم».ولما انهزم العدو صارت طائفة منهم إلى الطائف، وطائفة إلى نَخْلَة، وطائفة إلى أوْطاس، فأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أوطاس طائفة من المطاردين يقودهم أبو عامر الأشعري، فَتَنَاوَشَ الفريقان القتال قليلاً، ثم انهزم جيش المشركين، وفي هذه المناوشة قتل القائد أبو عامر الأشعري. وطاردت طائفة أخرى من فرسان المسلمين فلول المشركين الذين سلكوا نخلة، فأدركت دُرَيْدَ بن الصِّمَّة فقتله ربيعة بن رُفَيْع، وأما معظم فلول المشركين الذين لجؤوا إلى الطائف، فتوجه إليهم رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- بنفسه بعد أن جمع الغنائم.
خسارة بشرية
قتل من هوازن في ذلك اليوم خلق عظيم، و قتل دريد بن الصمة فأعظم الناس ذلك، فقال رسول الله (صلَّى الله عليه و آله): "إلى النار و بئس المصير، إمام من أئمة الكفر، إن لم يُعِنْ بيده فإنه أعان برأيه". واستشهد في ذلك اليوم من المسلمين أربعة نفر هم : أيمن بن عبيد، من بني هاشم؛ يزيد بن زمعة بن الأسود، من بني أسد؛ سراقة بن الحارث بن عدي، من الأنصار؛ أبو عامر الأشعري، من الأشعريين.
غنائم
رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الجعرانة بمن معه من الناس، وقسّم بها ما أصاب من الغنائم يوم حُنين، وهي: ستّة آلاف من الذراري والنساء، ومن البهائم ما لا يُحصى ولا يُدرى.
سبايا
سبى المسلمون من المشركين في ذلك اليوم سبايا كثيرة، بلغت عدّتهم ألف فارس، و بلغت الغنائم أثنى عشر ألف ناقة سوى الأسلاب. ثم جمعت إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله) سبايا حنين و أموالها، و كان على المغانم مسعود بن عمرو القاري، فأمر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بالسبايا و الأموال إلى الجعرانة فحُبست بها. وقد كان فيما سُبي أُخته بنت حليمة السعدية، فلمّا قامت على رأسه قالت: يا محمّد أُختك شيماء بنت حليمة، فنزع رسول الله(صلى الله عليه وآله) برده فبسطه لها فأجلسها عليه، ثمّ أكبّ عليها يسألها، وهي التي كانت تحضنه إذ كانت أُمّها ترضعه.
دروس مستفادة
قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) إن غزوة حنين سُجلت في القرآن الكريم لكي تبقى درسا للأمة في كل زمان ومكان، ولقد عرضت في القرآن الكريم على منهجية ربانية كان من أهم معالمها الآتي:
بين القرآن الكريم أن المسلمين أصابهم الإعجاب بكثرة عددهم، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) ثم بين القرآن أن هذه الكثرة لا تفيد ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا).بين القرآن الكريم أن المسلمين انهزموا وهربوا ما عدا النبي ونفر يسير من أصحابه، قال تعالى: ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ).بين القرآن الكريم أن الله نصر رسوله في هذه المعركة وأكرمه بإنزال السكينة عليه وعلى المؤمنين فقال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ).بين القرآن الكريم أن الله أمد رسوله محمدًا بالملائكة في حنين قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ).وأكد –سبحانه- على أنه يقبل التوبة من عباده ويوفق من شاء إليها، قال تعالى: ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
الكثرة
الإعجاب بالكثرة حجب عن المسلمين النصر في بداية المعركة, وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ). وقد نبه إلى هذا رسول الله حينما أوضح أنه لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول: «اللهم بك أحول وبك أصول، وبك أقاتل». وهكذا أخذ الرسول يراقب المسلمين ويقوِّم ما يظهر من انحرافات في التصور والسلوك، حتى في أخطر ظروف المواجهة مع خصومه العتاة.
مواقف الطلقاء يوم حنين
في هذا الموقف الصعب تباينت مواقف الطلقاء، فمنهم من صرّح بكفره بعد أن كان متظاهرًا بالإسلام، مثل كَلَدَة بن الحنبل، ولكنه أسلم بعد ذلك وله صحبة، فهذا الرجل قال في ذلك الوقت: ألا بطل السِّحْر اليوم. فهو يتهم الرسول بالسحر، مع أنه خارج مع المسلمين على أنه مسلم. ومنهم من لم يكتفِ بالكفر، بل حاول قتل الرسول مثل شيبة بن عثمان، وبفضل الله أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. ومنهم من أظهر الشماتة دون أن يظهر الكفر كأبي سفيان زعيم مكة الذي قال: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر.
ترك حب الدنيا نصرة للإسلام
رأى محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يتألف الطلقاء والأعراب بالغنائم تأليفًا لقلوبهم لحداثة عهدهم بالإسلام، فأعطى لزعماء قريش وغطفان وتميم عطاء عظيمًا، إذ كانت عطية الواحد منهم مائة من الإبل، ومن هؤلاء: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن الفزاري، والأقرع بن حابس، ومعاوية ويزيد ابنا أبي سفيان، وقيس ابن عدي.وكان الهدف من هذا العطاء المجزي هو تحويل قلوبهم من حب الدنيا إلى حب الإسلام، أو كما قال أنس بن مالك: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها.وعبر عن هذا صفوان بن أمية بقوله: "لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ".وقد تأثر حدثاء الأنصار من هذا العطاء بحكم طبيعتهم البشرية, وترددت بينهم مقالة, فراعى هذا الاعتراض وعمل على إزالة التوتر, وبين لهم الحكمة في تقسيم الغنائم, وخاطب الأنصار خطابًا إيمانيًّا عقليًّا عاطفيًّا وجدانيًّا، ما يملك القارئ المسلم على مر الدهور وكر العصور وتوالي الزمان إلا البكاء عندما يمر بهذا الحدث العظيم, فعندما دخل سعد على رسول الله فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء. قال: «فأين أنت من ذلك يا سعد؟» قال: يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي، قال: «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة؟» قال: "فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردَّهم، فلما اجتمعوا أتى سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاهم رسول الله، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «يا معشر الأنصار, ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضُلاَّلا فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟» قالوا: الله ورسوله أمنُّ وأفضل، ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله، لله ولرسوله المن والفضل. قال: «أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدَقْتم ولصُدِّقتُم: أتيتنا مكذَّبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فآسيناك. أوجدتم عليَّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفتُ بها قومًا ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ولولا الهجرة، لكنت امرءًا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبًا وواديًا، وسلكتْ الأنصار شعبًا وواديًا لسلكتُ شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار والناس دثار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار», قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا, ثم انصرف رسول الله وتفرقوا، وفي رواية: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض».
الصبر على جفاء الأعراب
لقد ظهر من رسول الله الكثير من الصبر على جفاء الأعراب, وطمعهم في الأموال, وحرصهم على المكاسب, فكان مثالا للمربي الذي يدرك أحوالهم, وما جبلتهم عليه بيئتهم وطبيعة حياتهم من القساوة والفظاظة والروح الفردية، فكان يبين لهم ويطمئنهم على مصالحهم ويعاملهم على قدر عقولهم، فكان بهم رحيمًا ولهم مربيًا ومصلحًا، فلم يسلك معهم مسلك ملوك عصره مع رعاياهم الذين كانوا ينحنون أمامهم أو يسجدون، وكانوا دونهم محجوبين, وإذا خاطبوهم التزموا بعبارات التعظيم والإجلال, كما يفعل العبد مع ربه، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فكان كأحدهم؛ يخاطبونه ويعاتبونه، ولا يحتجب عنهم قط، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يراعون التأدب بحضرته ويخاطبونه بصوت خفيض، ويكنون له في أنفسهم المحبة العظيمة، وأما جفاة الأعراب فقد عنفهم القرآن على سوء أدبهم وجفائهم, وارتفاع أصواتهم وجرأتهم في طبيعة مخاطبتهم للرسول.
قال أبو موسى الأشعري: كنت عند النبي وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: «أبشر» فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: «رد البشرى، فاقبلا أنتما» قالا: قبلنا. ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: «اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا» فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة.
قال عبد الله بن مسعود:... فلما كان يوم حنين آثر رسول الله ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك, وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال: فقلت: والله لأخبرن رسول الله, قال: فأتيته فأخبرته بما قال, قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف, ثم قال: «فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!» قال: ثم قال: «يرحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» قال: قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق