اثناء عودة الرسول إلى المدينة من غزوة غزاها , تخلفت السيدة عائشة رضى الله عنها لمدة قليلة تبحث عن عقدها , و لما عادت القافلة رحلت السيدة عائشة رضى الله عنها دون أن يشعر الركب بتخلفها , و ظلت وحيدة حتى وجدها صفوان بن المعطل و أوصلها إلى منزلها , إلا أن حاسدات عائشة رضى الله عنها و أعداء النبي اختلقوا الإشاعات غير البريئة عن السيدة عائشة رضى الله عنها و أتهموها رضى الله عنها بالزنى , فتأذى النبي و هجرها و كان دائماً يسأل الأقرباء له و للسيدة عائشة عن ما حدث فيقولوا أنهم ما سمعوا عن عائشة رضى الله عنها إلا خيراً وإنها من المستحيل ان تفعل ذلك ابداً , و لكن الشك بدأ يزيد عند النبي و أخذ دائماً يسأل الله تعالى أن يبرأ السيدة عائشة , فذهب إلى السيدة عائشة في بيت أبيها أبى بكر الصديق و قال لها : يا عائشة : إن كنتي قد اصبى ما يقولون فتوبي إلى الله و استغفريه , فنظرت السيدة عائشة لأبيها ابى بكر و أمها و قالت لهم : آلا تجيبان ؟ فقال لها ابى بكر : والله ما ندرى ما نقول , فقالت لهم السيدة عائشة : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت ابداً , والله يعلم أنى بريئة , والله ما أقول اكثر مما قال أبو يوسف { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } , و هنا نزل الوحى على النبي و أخبره ببراءة السيدة عائشة من هذه الحادثة الشنيعة و أنزل الله في هذا الموقف قرآناً , قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (11) سورة النــور , و هنا تبشر الرسول و أبتسم و أخبر عائشة رضى الله عنها فقالت لها أمها : آلا تشكري رسول الله ؟ فقالت لها السيدة عائشة رضى الله عنها : بل أشكر الله الذى برءنى و أنزل في قرآنا يبرءنى من هذا الذنب العظيم.
من هي السيدة عائشة وكنيتها
عائشة بنت عبد الله بن أبي قحافة بن عثمان بن عامر بن كعب بن كنانة، زوجةُ النَّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وابنة خليفة الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- أبو بكر الصديق، وأمّها أمّ رومان بنت عامر الكنانية.
كانت أم المومنين عائشة -رضي الله عنها- أفقه نساء الأمة، هاجر بِها والِداها وتزوجها الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- قبل الهجرة للمدينة المنورة وبعد وفاة زوجتهِ السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تُكنّى بأم عبدالله نسبة لابن أختها عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-، والذي أتت به عند ولادته إلى الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- فتفل في فمهِ ليكون ذلك أول ما يدخل إلى جوفهِ.
وقيل أيضاً إنَّها أتت إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وطلبت منهُ أنّ يكون لها كُنية كباقي النساء؛ فكنّاها بأمّ عبد الله نسبة لابن أختها أسماء تطيباً لخاطِرها، فعن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ صَوَاحِبِي لَهُنَّ كُنًى، قَالَ: "فَاكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ- يَعْني ابنَ أُختِها)
نشأة السيدة عائشة
وُلِدت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في مكة المكرمة بعد البعثة بأربع أو خمس سنوات، وهي أصغر من السيدة فاطمة بثماني سنوات، وترعرت في بيت يدين بدين الإسلام، وتربّت على يدِّ أبوين مؤمنين، ومن المعروف أنّ عائشة -رضي الله عنها- من النساء السابقات للدخول بالإسلام، وتجمّلت بالأدب والأخلاق؛ حيث إنَّها نشأت في بيت الفضائل والمكارم.
وخلال سنوات طفولتِها مرّت الدعوة الإسلامية بأقسى مراحلها؛ إذ تعرّض المسلمون لأشد أنواع الأذى، وذكرت عائشة -رضي الله عنها- أصعب المواقف التي حدثت مع والِدها في سبيل الحفاظ على دينِه وإيمانِه؛ وذلك عندما حاول الخروج من مكة المكرمة مُهاجراً إلى الحبشة، فكانت من المراحل الصعبة في حياتها هي ووالدها.
كما عُرف عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّها كانت كثيرة اللّعب والحركة في طفولتها، وعندما بلغت سن السادسة خطبها الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- من أبيها أبي بكر الصديق، وتزوجها في التاسعة من عمرها، وكانت تمتلك -رضي الله عنها- أصحاباً وأرجوحة تلعب بها، وبعد زواجها بالنّبي -صلّى الله عليه وسلّم- استمرت باللعب لفترة من الزمن، وكان -عليه الصَّلاة والسَّلام- يُقدّر صغر سنّها فكان يأتي بصاحباتها ليلعبن منها.
زواج السيدة عائشة من النبي عليه السلام
توفيت السيدة خديجة بنت خويلد قبل الهجرة بثلاث سنوات، وحزِن رسول الله عليها حُزناً شديداً، فأتت إليهِ خولة بنت حكيم، وعرضت عليه الزواج من بكر أو ثيب، فسألها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من البكر ومن الثيب، فأخبرتهُ أنَّ البكر هي عائشة ابنة أخيهِ وحبيبهُ أبو بكر الصديق، والثّيب هي سودة بنت زمعة، فأخبرها بأن تذهب لِبنت أبي بكر وتخطبها.
وبعد سنتين من وفاة السيدة خديجة -رضي الله عنها- تزوج الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بأمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وكان ذلك بأمر من الله -تعالى- فقد ثبت أنّ الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- قد رأى السيدة عائشة -رضي الله عنها- في المنام مرتين؛ ومنها أنّ ملكاً يقدّم لهُ شيئاً في لفة حرير، فسألهُ عنه فأخبرهُ بأنَّها زوجتك عائشة -رضي الله عنها-، ونكح الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- السيدة عائشة بِزواج مبكر لهدف؛ هو إحكام وتوطيد العلاقة وتوثيقها بين الخلافة والنبوة، وما ساعد على الزّواج المبكر الجو الحار الذي كانت تعيشه البلاد العربية قديماً؛ حيث إنَّه يساهم في بلوغ النساء مُبكراً.
تزوّج الرّسول -صلى الله عليه وسلم- السيدة عائشة -رضي الله عنها- قبل الهجرة باثني عشر شهراً في شهر شوّال وهي ابنة ستة سنوات، ولكنّه دخِل بها في السنة الثانية للهجرة؛ أي إنَّها كانت بعمر تسع سنوات، فقالت -رضي الله عنها-: (تزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِسِتِّ سِنِينَ، وَبَنَي بِي وَأَنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ).
فضائل السيدة عائشة ومناقبها
تمتلك زوجات الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- الكثير من الفضائل؛ وذلك لأنّهن زوجات لخاتم الرسل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهنّ من آل بيتهِ طاهرات، عفيفات، بريئات من كل سوء يقع في أعراضهن، ومن ضمنهن السيدة عائشة -رضي الله عنها-؛ فكانت تمتلك العديد من الفضائل وأهمها:
من أفضل نساء العالمين في الشرف، والفضل، وعلو المقام. زوجة لأفضل البشر سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-. أم للمؤمنين جميعاً؛ فأنرلها الله منزلة الأمومة للمؤمنين، وجعلها أماً لهم في التّحريم والاحترام. زوجة النبي -عليه الصّلاة والسّلام- في الدنيا والأخرة.
فقه السيدة عائشة وعلمها
وروايتها امتلكت السيدة عائشة -رضي الله عنها- مكانةً رفعية؛ وخاصة في رواية الحديث، وكانت -رضي الله عنها- سريعة الفهم والذكاء، والبديهة، ولم يقتصر علمها على الكلمات والعبارات؛ فقد ذكر أبو موسى الأشعري أنّه قال: (ما أشكل علينا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً).
ويبلغ مسند -مؤلف يُجمع فيه مرويات الحديث- السيدة عائشة -رضي الله عنها- ألفين ومئتين وعشرة أحاديث، واتفق صحيح بخاري وصحيح مسلم على مئة وأربعة وسبعين حديثاً منها، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثاً، وانفرد مسلم بتِسْعَةٍ وَسِتِّيْن حديثًا.
وقد كانت -رضي الله عنها- المرجع المؤكد للمسلمين عندما يختلط عندهم شيء من القرآن، والحديث، والفقه، والفرائض،
وكان المؤمنون يجدون عندها الجواب الشافي والمُقنع لجميع تساؤلاتهم واستفساراتهم.
شجاعة السيدة عائشة وجهادها
تميّزت السيدة عائشة -رضي الله عنها- بالشجاعة النادرة؛ حيث إنَّها كانت ثابتة القلب تمشي إلى البقيع ليلاً دون خوف، وتنزل إلى المعارك، وفي معركة أُحد عندما تسلل الاضطراب بين المسلمين ذهبت تُعالج الجرحى وتسقيهم الماء، وفي غزوة الخندق نزلت من الحصن الذي وضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- النساء فيه وتقدّمت إلى الصُّفوف الأمامية، بالإضافة إلى مجيئها في معركة الجمل بالقوّات والعساكر بطريقة مثالية، كل ذلك ممّا يدلّ ويؤكّد على شجاعتها
ثناء النبي على السيدة عائشة ومحبته لها
أحب الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- السيدة عائشة حُباً شديدًا؛ فقد توفيَّ في حِجرها ودُفِن في بيتها، وتقول -رضي الله عنها- إنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلب حينها السواك منها، وكان قاسياً عليه فقامت بتليينه له ووضعتهُ بعد ذلك في فمهُ، وطلب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من زوجاتهِ أنّ يسمحن لهُ أن يبقى أيام مرضهِ في بيت السيدة عائشة -رضي الله عنها- فسمحن له
وقد كان من عادات المُحبين قديماً ترقيق اسم المحبوب؛ ولذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- ينادي السيدة عائشة يا عائش أو يا عويش.
وفي السنة الحادية عشرة للهجرة بدأت علامات المرض والتعب على الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ومن ثمّ وافته المنيّة، وقد كان عمر السيدة عائشة -رضي الله عنها- ثمانية عشر عاماً عندما توفيّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-.
وفاة السيدة عائشة
توفيت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في المدينة المنورة، ليلة الثلاثاء في السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثامنة والخمسين للهجرة
أي أنَّها عاشت بعد وفاة الرسول -عليه الصَّلاة والسَّلام- خمسين عاماً، وأوصت أنّ تُدفن ليلًا، وصلّى عليها أبو هريرة -رضي الله عنهُ-، ودفنت في البقيع، وكان ذلك زمن خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق